قصة واقعية: “الرسام الأعمى” – رحلة إلهام من الظلام إلى الألوان

العديد من الناس يعتبرون البصر نعمة لا يمكن الاستغناء عنها، خصوصًا إذا كان العمل يعتمد على الرؤية، كالفن والرسم. ولكن، ماذا لو فقد فنان بصره؟ هل تنتهي قصته؟ أم أنها تبدأ من جديد؟
البداية: حياة هادئة وفرشاة ألوان
كان كريم فنانًا شابًا يعيش في مدينة صغيرة، يعشق الرسم منذ طفولته. تعلم الرسم بمفرده، وتعلّق بالطبيعة والبشر، وكان يرى الجمال في التفاصيل الصغيرة. أقام معارض فنية محلية، وأصبح اسمه معروفًا في مجتمعه.
لكن الحياة لا تسير دائمًا كما نخطط لها. في أحد الأيام، استيقظ كريم على ألم شديد في عينيه، ومع مرور الأيام، بدأت رؤيته تضعف تدريجيًا، حتى أبلغه الأطباء بأنه مصاب بمرض نادر في الشبكية، وسيفقد بصره بالكامل خلال شهور.
الانهيار والصمت
كانت الصدمة قاسية. توقف كريم عن الرسم. ابتعد عن الناس، وانسحب من المعارض. مرّت عليه شهور وهو جالس في غرفته، يرفض الحديث مع أي أحد، يشعر أن حياته قد انتهت، وأن ما تبقى منها مجرد ظلام لا لون فيه.
ولكن ذات يوم، سمع تسجيلاً صوتيًا لأحد الفنانين يقول: “الرؤية ليست في العين، بل في القلب.” كانت هذه الجملة كافية لتشعل بداخله شرارة جديدة.
التحول: بداية جديدة باللمس
بدأ كريم يتعلم استخدام اللمس بدلاً من البصر. علّم نفسه كيف يتخيل الأبعاد والأشكال من خلال الأصابع. استخدم طين النحت في البداية، ثم بدأ بتجربة الألوان باستخدام علامات حاسة الشم واللمس التي وضعها بنفسه.
كان يكتب ملاحظات صوتية لكل لوحة. واستعان بأصدقائه لوصف ملامح الأشخاص أو الطبيعة، ثم يحولها إلى لوحات باستخدام ذاكرته وخياله. وبعد عام من التدريب، رسم أول لوحة وهو أعمى تمامًا.
العودة: معرض “من خلال الظلام”
في خطوة جريئة، قرر كريم أن يعرض أعماله الجديدة في معرض بعنوان “من خلال الظلام”. حضر المعرض المئات، وكان كل من يرى اللوحات يندهش من الدقة والإحساس الذي تحمله. لم يصدق البعض أنه أعمى تمامًا.
ظهر في عدة لقاءات تلفزيونية، وأصبح مصدر إلهام للعديد من أصحاب الإعاقات. أسس لاحقًا مركزًا فنيًا خاصًا لتعليم المكفوفين الرسم، وأثبت أن الإبداع لا يعرف حدودًا.
الخاتمة:
قصة “الرسام الأعمى” ليست فقط عن فقدان البصر، بل عن إيجاد النور الحقيقي داخل النفس. كريم لم يكن مجرد فنان، بل كان ثائرًا ضد القيود، محاربًا ضد الاستسلام. علمنا أن الإبداع لا يُقاس بما نراه، بل بما نشعر به.
في كل لوحة رسمها، يقول لنا كريم: “لا تجعل العتمة تعني النهاية. قد تكون فقط بداية رؤية من نوع آخر.”
تعليقات